استفهمت الأرملة منى بعينيها الواسعتين وقد كحلتهما فازدادتا جمالاً فأجابها نظيرها الأرمل خالد: لأن البنت قبل الجواز بتبقى حرة طليقة…أم بعد الجواز قعودها في البيت بيخليهم مكتئبين و الحزن بيبان عليهم… ابتسمت منى أم محمد و استمتعت باهتمام فاردف خالد: لأ وغير كده كفاية التعب من الطبخ و التنضيف و اعمال البيت … سألتها أم محمد منى قائلة: طيب و انت عرفت كدا بعد وفاة المرحومة أم نهلة ولا بعدها؟!! أجابها خالد وقال: زي ما قلتلك..من أيام ما كنت بادرس…بس الصراحة أني حسيت بكدا اكتر لما قعدت في البيت و بناتي اتجوزوا و بقيت لوحدي . ابتسمت منى فقالت: انا اعرف انهم مش هما اللي سابوك….. انت اللي حبيت تبقى لوحدك و مسبتش هنا…… ابتسم خالد وقال: مظبوط….لأني ببساطة مكنتش عاوز أكون بغلس على حد لسة بادئ حياته… وبصراحة انا بحب جو الأرياف ده هههه…كان ذلك حوار من ضمن الحوارت التي دارت بينهما. فما كان من منى إلا أن تمس نفسها فوق فراشها وقد اشتاقت إلى النيك من جديد ليلاً!
ذات مرة سألها خالد الأرمل أن كانت تقبل أن تذهب معه إلى الساحل حيث مزرعته و ذلك كفسحة لتغير حياها الرتيبة المملة. نبض قلب الأرملة من جديد كما كما ينبض ما بين فخذيها ليلاً وقد اشتاقت إلى النيك من جديد وهو حقها الطبيعي في الحياة! ابتسمت محمرة الوجه و أجابت: يا ريت يا خالد…بس انت عارف محمد الصغير ممكن يرجع من مدرسته مش يلاقيني…. تحمس خالد وقال: نروح الصبح بدري و نرجع قبل الساعة اتنين…و تكوني معرفاه أنك ممكن تتأخري شوية وهتجيبي شوة ملابس….خفق قلب الأرملة الأربعينية و أعداها حماس الأرمل جارها فابتعلت ريقها وسألت: طيب هنروح أمتى؟! قال: بكرة الصبح…بالعربية السمافة مش هتاخد مننا ساعة بالظبط… و بالفعل تجهز خالد لتك الرحلة و عاد له رونق الشابا و النشاط و أشترى علب المشروبات الغازية وبعض أنواع الكيك و ذلك غير ما اعدته منى كذلك من قالب كيك و عصير المانجو! على قمة الشرع الرئيس انتظرها خالد فلحقت به و صعدت إلى جانبه وقد اتشحت بعباءة سوداء و نظارة سوداء كذلك زانتها حسناً فوق حسن!
انطلقت السيارة سريعاً لا تلوي على شيء وهما يقصدان المزرعة حيث الصحراء و حيث الطبيعة البكر و حيث الخضرة و البحر المتوسط على مقربة منهما. وصلا إلى المزرعة فراحت الأرملة منى تتحرر من بعض قيودها التي فرضتها على نفسها! تكررت زيارات المزرعة فكانا يقصدانها صباحاً حتى وقت الظهيرة فتعود قبل عودة ابنها! في الواقع صار خالد الأرمل جزءاً لا يتجزأ من حياة منى الأرملة و كذلك صارت هي بالنسبة له بل أشد! راحت منى تتخفف من ثيابها في وجود خالد الأرمل ، فكانت تخلع عباءتها و طرة رأسها فينطرح شعرها الغزير الأسود الذي ما قاربه الشيب مطلقاً!! كان خالد يتعجب من هكذا حسن و هكذا رونق أرملة دون السادسة و الأربعين بعام واحد!! أحياناً كانت تعقصه في ذيل حصان فكانت تتحرك به بين الأشجار و النخيل بجسدها اللدن المياس فكان خالد يخالها مهراً عربياً أصيلاً! ألقت منى حزنها خلف ظهرها و أضحت معه اكثر مرحا و إقبالاً على الحياة و اكثر إلقاءا للنكات. في تلك الزيارات أو في تلك الفترة كان خالد يمدد إجازة الفلاح العامل و زوجته و مرتبه الشهري لا يتأثر فكان خالد نفسه يقوم بالاهتمام بتربية بالدواجن هناك!! الحب الجديد يسعد صاحبه و يسعد من يصاحب صاحبه!! ذات صبيحة إذ توقفا تحت ظل نخلة باسقة تدلت منها الرطب الصفراء سألها خالد : بصراحة ..أنت حسيتي بالوحدة بعد فارقا المرحوم..؟!! كانت توليها ظهرها وهي تقطف رطبة فالتفتت إليه ترد عليه سؤاله: وانت كمان ..حسيت بالوحدة؟! ابتسم ثم اصطنع الجد و أجاب: أيوة…..الراجل مننا بيحس بالوحدة و اليتم بعد الوحدة فقدان منكم. ابتسمت بل ضحكت منى الأرملة و راحت تلمح و تنتحي, وقد اشتاقت إلى النيك من جديد, بمجرى الحديث منحى آخر وقالت: أي واحدة ولا واحدة بعينها؟!!ابتسم خالد الأرمل و فهم فحوى سؤالها و أجاب: الأتنين….ثم سارع بسؤالها: و أنت يا منى….! لتجيبه سريعاً و برقة هامسة: و أنا كمان…الأتنين… عندها ضمها الأرمل خالد إلى صدره بقوة فاستجابت الأرملة منى لضمته! ضمها وشمها و ضمته و شمته ودست وجهها في صدره ، وراح نشيجها يتصاعد باكية!! بللت دموع عينيها قميصه فتركها خالد تفرغ طاقة حزنها على صدره. دقائق ثم رفعت منى رأسها فاصبح وجهها المليء بالدموع بمقابل وجهه! لم يتمالك الأرمل خالد نفسه و ذاب رقة بين يدي منى فدنا بشفتيه من ى عينيها الدامعتين و طبع قبلتين ثم انتحى إلى خديها الأسيلين فطبع قبتين ثم نزل غلى شفتيها و أنفاس منى تتصاعد و خفقان قلبها يزداد!…يتبع….